حكاية بيطرية

جورجي.. والدمع الذي تحول إلى سهم

كانت جورجي قطة بيضاء بعينين لونهما كعسَل الغابة، تعيش في شقة ياسر الطالب الجامعي الذي وجدها أمام مكتبته ذات يوم كهدية من القدر. كانت عينا نور دائمًا لامعتين، تتابعان حركة العصافير خلف النافذة بفضول. لكن في صباحٍ ما، لاحظ ياسر أن إحدى عينيها مغلقة نصف إغلاق، وكأنها ترمش ببطء شديد.

بحلول المساء، تحولت العين إلى كرة حمراء منتفخة، مع إفرازات صفراء لزجة تلتصق بفراء وجهها. حاول ياسر تنظيفها بمنديل دافئ، لكن جورجي هربت تحت السرير، تموء بصوت مبحوح كأنها تقول: “هذا يؤلمني!”.

الفصل الثاني: في عيادة الأسئلة الصعبة

في العيادة البيطرية، فحص الطبيب البيطري عين جورجي بمصباح صغير، بينما ياسر يحاول تهدئة القطة المرتعشة.
— “التهاب الملتحمة”، قال لطبيب البيطري بعد أن لاحظ تورم الأوعية الدموية في العين، “قد يكون بسبب فيروس، أو بكتيريا، أو حتى حساسية من الغبار”.

شرح له أن الملتحمة هي غشاء رقيق يغطي العين، وعندما يلتهب، يصبح كـ “ورقة شجر محترقة”. أخذ عينة من الإفرازات لتحليلها، ووضع قطرة صبغة خضراء في عين جورجي ليكتشف إذا كان هناك خدش في القرنية.

— “القرنية سليمة، لكن الالتهاب شديد”، قالت وهو يصف قطرات مضاد حيوي تُستخدم كل 6 ساعات، ومرهم لترطيب العين.

الفصل الثالث: معركة القطرة

العودة إلى المنزل كانت بداية التحدي الحقيقي. ياسر، الذي يرتجف من مجرد رؤية الحقن، اضطر أن يصبح ممرضًا. كانت جورجي ترفض فتح عينها، وتضرب الهواء بمخالبها كلما اقترب من وجهها. في المحاولة العاشرة، نجح في إدخال القطرة بين جفنيها الملتئمين، بينما كانت دموعه تسقط على ظهرها:
— “أعدك… هذا لمساعدتك”.

الأسبوع الأول كان كابوسًا متكررًا: تنظيف الإفرازات بمحلول ملحي دافئ، تطبيق المرهم، ومحاولة منع جورجي من حك عينها بمخلبها. وضعت الطبيب البيطري طوقًا بلاستيكيًّا حول رقبتها (ما يُسمى طوق الإليزابيث)، فتحولت جورجي إلى “زهرة دوار الشمس” غاضبة، تترنح في الغرفة كلما حاولت الدوران.

الفصل الرابع: النور الذي عاد

بعد 10 أيام، فتحت جورجي عينها بالكامل لأول مرة. لم تكن الصفاء قد عاد تمامًا، لكن الاحمرار بدأ يختفي مثل غيمة ماطرة تبتعد. في الزيارة الأخيرة، قال الطبيب البيطري:
— “الالتهاب انحسر، لكن احذر من تكراره… عيون القطط حساسة كقلوب الأطفال”.

ياسر تعلم الدرس: صار ينظف غرفته يوميًّا ليبعد الغبار، ويغير الفلتر المكيَّف بانتظام. حتى أنه استبدل عطر غرفته برائحة خفيفة كي لا تُهيج عيني نور.

الخاتمة: درس من عيون صغيرة

جورجي لم تعد تختبئ تحت السرير، لكنها صارت تبطئ خطواتها قرب النافذة كأنما تتذكر الألم. ياسر صار يرى العالم بعينين جديدتين: عينان تدركان أن التفاصيل الصغيرة… كقطرة دواء أو ذرة غبار… قد تصنع الفرق بين الحياة والموت.

ملخص طبي مبسط:

  • الأعراض:
    • احمرار العين وانتفاخ الجفون.
    • إفرازات صفراء أو خضراء.
    • حك العين بالمخالب أو بالأثاث.
    • إغلاق العين جزئيًّا أو كليًّا.
  • التشخيص:
    • فحص المصباح الشقي: لرؤية القرنية والملتحمة.
    • صبغة الفلوريسين: تكشف الخدوش أو القرح.
    • مسحة العين: لمعرفة إذا كان الالتهاب فيروسيًّا أو بكتيريًّا.
  • العلاج:
    • قطرات أو مراهم مضادة للالتهاب: (مضادات حيوية/مضادات فيروسات).
    • طوق الإليزابيث: لمنع الحك.
    • تنظيف العين: بمحلول ملحي دافئ عدة مرات يوميًّا.
    • تجنب المهيجات: مثل الغبار أو العطور القوية.

القصة تذكير بأن العيون ليست مجرد نوافذ للروح… بل جرس إنذار ينطلق بصمت.

اظهر المزيد

د.محمد سعيد الخالد

دكتور في الطب البيطري، للاستشارات المجانية التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي ادناه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى