الساعات الرملية: رحلة قطة بين الحياة والموت

في شقتي الواقعة في الطابق الثالث من ذلك المبنى القديم، حيث تنساب أشعة الشمس المائلة عبر زجاج النافذة المتسخ، اعتادت موني أن ترسم حياتنا بألوان من الفرح. كانت تلك القطة السوداء ذات العينين الذهبيتين تشبه شعلة حية تتنقل بين الغرف، تترك خلفها ذيلاً من النشاط والضحكات الصامتة.
لكن في ذلك الصباح البارد من كانون الثاني، استيقظت على عالم مختلف. العالم الذي عرفته موني قد توقف فجأة.
الأعراض: عندما يتلاشى النور
لاحظت التغييرات تدريجياً ثم فجأة:
- الإضراب عن الطعام:
- صحن طعامها المفضل (ذلك المزيج المعطر من سمك السلمون والهليون) بقي ممتلئاً لمدة 48 ساعة
- حتى البسكويتات المالحة التي كانت تأكلها من يدي رفضتها بعناد
- انهيار النظام المائي:
- لم تعد تلمس وعاء الماء البلوري الذي كنت أغسله يومياً
- لاحظت أن لسانها أصبح جافاً ومتشققاً
- الخمول المرضي:
- اختفت عادتها الصباحية في مطاردة أشعة الشمس عبر الغرف
- توقفت عن متابعة العصافير من خلف الزجاج
- علامات الألم الصامتة:
- تنفس سريع ضحل (40 نفساً في الدقيقة بدلاً من 20-30)
- عيناها لم تعد تلمعان، بل صارتا زجاجيتين
- وضعية الجلوس الغريبة (منحنية الظهر، الرأس منخفض)
الفصل الثاني: الليالي البيضاء
في الليلة الثالثة، حملتها إلى سريري. كانت تشبه دمية محشوة بالقطن، بلا أي مقاومة. شعرت بعظامها الصغيرة تحت الفراء الكثيف الذي فقد لمعانه. تلك اللحظة التي انهمرت فيها دموعي على رأسها الصغير، ولم ترفع عينها إلا لنظرة سريعة، كأنها تقول: “أنا أحاول، لكنني لا أستطيع”.
الفصل الثالث: في غرفة الطوارئ
الطبيب البيطري بدا متعباً عندما فحصها في الساعة الثانية صباحاً.
“هذه حالة طارئة”، قال بينما يربط حزاماً حول ساقها الأمامية. “درجة الجفاف 8%، ونبضها ضعيف. نحتاج إلى عمل تحاليل فورية.”
التشخيص: رحلة في جسد موني
- الفحص السريري الأولي:
- درجة الحرارة: 37.2 (منخفضة)
- اللثة شاحبة وزرقاء
- ردود فعل الأعصاب بطيئة
- تحاليل الدم (CBC + Biochemistry):
- ارتفاع إنزيمات الكلى (BUN 48، Creatinine 2.8)
- انخفاض بروتين الدم (TP 5.2)
- زيادة خلايا الدم البيضاء (WBC 28,000)
- الأشعة السينية:
- ظل غريب في الأمعاء الدقيقة
- انتفاخ في المعدة
- الموجات فوق الصوتية:
- سماكة في جدار الأمعاء
- عقدة ليمفاوية متضخمة
“هناك عدة احتمالات”، قال الطبيب وهو يمسح جبينه:
- انسداد معوي (70% احتمال)
- التهاب البنكرياس (20%)
- ورم لمفاوي (10%)
الفصل الرابع: في غرفة العمليات
قررنا المضي قدماً بالجراحة الاستكشافية. تلك الساعات الثلاث التي قضيتها في غرفة الانتظار الباردة، أعدت فيها حساب كل اللحظات التي أهملت فيها إشاراتها الصغيرة:
- ذلك اليوم الذي لعقت فيه سجادة الباب بشكل مفرط
- الأسبوع الذي بدأت فيه تفضل النوم تحت السرير
- المرات التي توقفت فيها عن المواء
ما كشفته الجراحة:
- جسم غريب (شريط مطاطي صغير) متشابك في الأمعاء
- نخر في 15 سم من الأمعاء الدقيقة
- التصاقات في جدار البطن
الفصل الخامس: الأيام الحرجة
كانت الخطة العلاجية شاملة:
- العناية المركزة:
- محاليل وريدية (Ringer’s lactate) 20 مل/ساعة
- مضادات حيوية (Amoxicillin-Clavulanate)
- مسكنات (Buprenorphine) كل 8 ساعات
- المتابعة اليومية:
- قياس درجة الحرارة كل 4 ساعات
- فحص لون اللثة
- تسجيل كمية البول
- التغذية:
- بدأت بـ 5 مل من طعام A/D كل ساعتين
- ثم زادت تدريجياً إلى 20 مل كل 4 ساعات
الفصل السادس: معجزات صغيرة
في اليوم الخامس، حدثت المعجزة الأولى: مواء خافت عندما فتحت عينيها في الصباح. ثم في اليوم السابع، أول خطوة متعثرة نحو صندوق الرمال.
لكن الطريق إلى الشفاء كان طويلاً:
- العلاج الطبيعي:
- تدليك خفيف للأطراف
- تمارين سلبية للمفاصل
- التأهيل الغذائي:
- نظام غذائي عالي السعرات
- مكملات البروبيوتيك
- الدعم النفسي:
- إعادة تقديم ألعابها المفضلة تدريجياً
- جلسات عناق قصيرة (5 دقائق كل ساعتين)
الفصل السابع: الدروس التي لا تُنسى
تعلمت من هذه التجربة:
- إشارات الخطر:
- رفض الطعام > 24 ساعة = طوارئ
- الخمول المفاجئ = إنذار أحمر
- تغير عادات الشرب = جرس إنذار
- الوقاية:
- فحص البيئة من أجسام خطرة
- الفحوصات الدورية كل 6 أشهر
- مراقبة عادات التبرز اليومية
- مستلزمات الطوارئ:
- رقم الطبيب البيطري في متناول اليد
- حقيبة إسعافات قطط
- معرفة أقرب عيادة طوارئ
الخاتمة: الحياة بعد العاصفة
اليوم، تجلس موني على حافة النافذة نفسها، لكن العالم أصبح مختلفاً. لم تعد تلك القطة النشيطة التي تعرفها، بل أصبحت نسخة أكثر هدوءاً من نفسها.
لكن في عينيها الذهبيتين ما زال هناك وميض من ذلك الضوء الذي عرفته. عندما تحتضنها قبل النوم، وتسمع ذلك الخرخرة الخافتة، تعرف أن المعركة لم تكن عبثاً.
في النهاية، الحب الحقيقي هو أن تقف مع من تحب في أسوأ لحظاته، لا فقط في الأيام المشرقة. وأن الساعات الرملية قد تنقلب فجأة، لكن كل حبة رمل فيها تستحق أن نعيشها بكامل وعينا.