حكاية بيطرية

سمراء والجرح الذي جمّد القفزات

كانت سمراء قطة شاردة لونها كالقهوة الممزوجة بالحليب، تعيش في حديقة الحيوان القديمة. اعتاد الأطفال إطعامها بقايا بسكويتهم، لكنها لم تسمح لأحد بلمسها أبدًا. كانت تثق فقط في حريرها الناعم وقفزاتها السريعة التي تنقلها من شجرة إلى أخرى. حتى ذلك اليوم المشؤوم.

في صباح عاصف، سمع حراس الحديقة صوت اصطدام قوي قادم من تحت جسر خشبي صغير. عندما اقتربوا، وجدوا سمراء منكمشة خلف صخرة، رجلها الأمامية اليمنى مُلتوية بزاوية غريبة، وعيناها الذهبيتان تلمعان من الألم. حاولت الهرب لكنها سقطت وكأن الأرض انسحبت من تحت مخالبها.

نقلها الحراس إلى العيادة البيطرية، حيث فحصها الدكتور البيطري. كانت سمراء تصرخ كلما لمس ساقها المنتفخة، التي تحول لونها إلى الأزرق.
— “كسر في عظم العضد”، قال الطبيب بعد رؤية الأشعة السينية، “العظمة مكسورة إلى جزئين هنا… تحتاج إلى تثبيت”.

شرح الدكتور أن الكسر قد يكون بسبب سقوطها من ارتفاع، أو دهسها بسيارة. لكن سمراء لم تستطع أن تحكي. كل ما فعلته هو أن أطبقت عينيها بقوة، وكأنها تحاول الهروب إلى عالم آخر.

رحلة العلاج: من اليأس إلى الأمل

  1. التخدير: نامت سمراء بعد حقنة مهدئة، حتى يتمكن الطبيب من تحريك العظمة إلى مكانها الصحيح دون ألم.
  2. الجبيرة: لفّ الطبيب الساق بجبيرة بلاستيكية خفيفة، مثبتة بشرائط ملونة كي لا تكسرها سمراء بمخالبها.
  3. المسكنات: أعطاها حقنة لتخفيف الالتهاب، ووصف أدوية سائلة تخلط مع طعامها.

لكن المشكلة الحقيقية بدأت عند الاستيقاظ. سمراء رفضت المشي بالجبيرة، وحاولت عضها مرارًا. الطبيب نصح بوضعها في قفص واسع لمدة 6 أسابيع لمنعها من الحركة، لكن سمراء اعتبرت القفص سجنًا. كانت تتسلق القضبان بقدم واحدة، وتصرخ كأنها تتهم البشر بالخيانة.

الفصل الأصعب: الصبر

قررت مريم، إحدى العاملات في الحديقة، تبني سمراء خلال فترة العلاج. نقلتها إلى غرفة صغيرة في منزلها، وزينت الجبيرة بشريط وردي. في الأسبوع الأول، كانت سمراء ترفض الأكل، وتختبئ تحت السرير. لكن مريم لم تستسلم. جلست بجانبها كل ليلة، تحدثت إليها بصوت هادئ، حتى بدأت سمراء تخرخر بينما تأكل ببطء.

بحلول الأسبوع الثالث، تعلمت سمراء المشي بثلاثة أرجل، كأنها تمثل دور “قرصانة صغيرة”. الجبيرة صارت جزءًا منها، والألم بدأ يتراجع. في الزيارة الأخيرة للطبيب، أزال الدكتور علي الجبيرة، وابتسم حين رأى الأشعة الجديدة: “العظمة التئمت… لكن العضلات تحتاج تمارين”.

النهاية: عودة غير كاملة

عادت سمراء إلى الحديقة، لكنها لم تعد تقفز كما قبل. صارت تتسلق الأشجار ببطء، وكأنها تتذكر السقوط كلما نظرت إلى الجسر الخشبي. الأطفال لاحظوا أنها تفضل الجلوس بجانبهم بدلًا من الهرب. في إحدى الأيام، سمحت لطفلة صغيرة بلمس فرائها للمرة الأولى. ربما الألم أكد أن الثقة ليست ضعفًا… بل جسرًا جديدًا.

ملاحظات طبية مبسطة:

  • أعراض الكسر: تورم، ألم شديد، عدم القدرة على تحريك الطرف، تشوه في شكل العظمة.
  • التشخيص: أشعة سينية (X-ray) لتحديد مكان الكسر ونوعه.
  • العلاج:
    • جبيرة أو جراحة حسب شدة الكسر.
    • مسكنات ومضادات التهاب.
    • الراحة التامة لعدة أسابيع.
    • تمارين إعادة تأهيل بعد إزالة الجبيرة.

القصة تُذكّرنا أن الكسور ليست جسدية فقط… فالكائنات التي تُهان ثقتها تحتاج وقتًا أطول لـ “الالتئام”.

اظهر المزيد

د.محمد سعيد الخالد

دكتور في الطب البيطري، للاستشارات المجانية التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي ادناه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى