حكاية بيطرية

كاتي التي لم تُكمل رحلتها

في غرفةٍ صغيرة تعلوها رائحة الخبز الطازج، عاشت “كاتي”، قطةٌ بيضاء ناصعة كقطعة سكر، بعيونٍ خضراء تشبه أوراق النعناع تحت المطر. كانت تُشبه فراشةً لا تهدأ، تلهو بخيوط الصوف وتنام داخل حذاء صاحبتها “ليان”، الفتاة اليتيمة التي وجدت في كاتي عائلتها الوحيدة.

لكن… في ليلةٍ باردة، بينما كانت كاتي تلعق زجاج النافذة المتسخ، بدأ صمتٌ غريب يخيم على حركتها.

السقوط الأول

الصباح الباكر:
لم تعد كاتي توقظ ليان بلُطف. بدلًا من ذلك، وجدتها متكورةً في زاوية الغرفة، ترتعش كورقة خريفٍ تحت الريح.

الأسبوع الأسود:

  • إسهالٌ أصفر كالوحل يملأ رملتها، تنبعث منه رائحة الموت البطيء.
  • قيءٌ متواصل حتى من الماء، كأن جسدها يرفض الحياة نفسها.
  • عيناها الخضراوان فقدتا بريقهما، صارتا غائمتين كزجاجٍ مُكسَّر.
  • حتى مواءها تحوّل إلى همسةٍ مكسورة، كأنها تطلب الرحمة.

في الغرفة البيضاء حيث تُحكى الحقائق القاسية

حملت ليان كاتي المُنهكة، التي صارت أخفّ من وسادةٍ قطنية، وركضت عبر الشوارع الماطرة إلى العيادة. الطبيب البيطري نظر إليها بحزنٍ طويل، ثم قال: “إنه بارفو القطط… فيروسٌ يأكلها من الداخل.”

ما لم تعرفه ليان من قبل:

  • هذا الفيروس يُدمّر الأمعاء ونخاع العظم، ويجعل القطة تذوب كشمعة.
  • 90% من القطط الصغيرة تموت إذا لم تُطعَّم… وكاتي لم تُطعَّم.

كيف تأكد الطبيب؟

  1. عينة براز: كشفت عن الفيروس القاتل الذي يختبئ كلص.
  2. تحليل دم: أظهر انهيار خلايا الدم البيضاء، كحصارٍ نهائي.

معركةٌ ضد ريحٍ عاتية

بدأ العلاج، لكن كل حقنة كانت تُشبه طعنةً في قلب ليان:

  • محاليل وريدية تُربط بها كاتي كأسيرة حرب.
  • مضادات حيوية تُدخلها في نومٍ مضطرب.
  • حقن مضادة للقيء… لكنها لم توقف إرادتها في التقيؤ.

ليان كانت تهمس: “أنتِ قوية… ستنجحين.” لكن عظام كاتي البارزة تحت فرائها كانت تقول غير ذلك.

الفراشة التي طارت مبكرًا

في اليوم التاسع، بينما كانت ليان تُنظف إسهال كاتي للمرة العشرين، رفعت القطة رأسها للمرة الأخيرة. نظرت إليها نظرةً طويلة، كأنها تُودع، ثم انحنت كزهرةٍ قُطفت.

“كاتي… لا تغفلي!” صرخت ليان، لكن الجسد الصغير كان قد تحوّل إلى دميةٍ فارغة.

رسالة من تحت التراب

اليوم، تحمل ليان قلادةً صغيرة فيها صورة كاتي. كلما رأت قطةً في الشارع، تُذكّرها بأن بارفو القطط:

  • ليس مجرد فيروس… بل وحشٌ يسرق الأحبّة قبل الأوان.
  • التطعيم رخيص… لكن ثمن الإهمال غالٍ.
    • جرعة واحدة في الشهر الثاني تكفي لإنقاذ حياة.
    • العزل فور المرض… فالعدوى أسرع من وميض عين.

“القطط لا تبكي…
لكن عيونها تروي قصصًا لا تُحصى.
اقرأها قبل أن تتحول إلى ذكريات.”

ملاحظة: البارفو (Panleukopenia) فيروسٌ لا يرحم، لكن التطعيم يُحوّل المأساة إلى مجرد ذكريات.

د.محمد سعيد الخالد

دكتور في الطب البيطري، للاستشارات المجانية التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي ادناه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى