حكاية بيطرية

تراجيديا اليرقان: قصة معاناة تُكتب بدموع

كانت “لوسي” قطّةً برتقالية كشمس الخريف، تُضيء غرفة صاحبتها “ليلى” بنظراتها الذهبية التي تشبه بريق العسل. كل صباح، كانت توقظ ليلى بلُطفٍ بلمسة كفها الناعم على خدها، ثم تركض خلف فراشةٍ وهمية من الصوف صنعتها ليلى لها. كانت الحياة بسيطة: لعِب، طعام، حضن دافئ.

لكن في أحد الأيام… لاحظت ليلى أن نور لوسي بدأ يخفت.

الظل الذي زحف إلى عينيها

اليوم الأول:
لم تعد لوسي تقفز إلى السرير كالعادة. “ما بكِ يا قلبي؟” سألتها ليلى، بينما كانت تشاهدها تترنح كأنها تحمل أسرارًا ثقيلة.

الأسبوع الأول:

  • عيناها الذهبية تحولتا إلى لونٍ مُصفر باهت، كأن أحداً أطفأ النور بداخلها.
  • لعابها صار غليظًا كالعسل الفاسد، ونَفَسها بات كريهًا يُذكّر برائحة التراب الرطب.
  • بولها الذي كان صافياً، أصبح داكنًا كالقهوة المُرّة.
  • حتى طعامها المفضل (سمك التونة!) رفضته، وكأن جسدها يصرخ: “أنا أحترق من الداخل!”.

الرحلة إلى مكانٍ يُدعى “الأمل”

حملت ليلى لوسي كطفلٍ مريض، وهرعت إلى العيادة البيطرية. هناك، قابلت الطبيب البيطري، الذي نظر إلى عيني لوسي وقال بلهجةٍ حازمة: “هذا ليس مجرد مرض… إنه إنذار.”

الفحوصات كشفت الكارثة:

  1. تحليل الدم: إنزيمات الكبد مرتفعة كالنار المشتعلة.
  2. الأشعة: كبدها المتورم يشبه بالونةً على وشك الانفجار.
  3. الفحص السريري: جفافٌ شديد، واللثة صفراء كالليمون الذابل.

التشخيص:
“اليرقان” – قال الطبيب. “كبدها توقف عن تصفية السموم، فتحوّل دمها إلى سُمٍّ بطيء.”

معركة الساعات الأخيرة

بدأت خطة العلاج، لكنها كانت أشبه بمحاولة إنقاذ سفينةٍ تغرق:

  1. محاليل وريدية: لإنعاش جسدها الجاف.
  2. مضادات حيوية: لمحاربة العدوى الخبيثة.
  3. حقن فيتامين K: لأن دمها كان ينزف من الداخل دون توقف.
  4. طعامٌ سائلٌ خاص: كُتب عليه “للقطط ذات الأرواح المنهكة”.

ليلى كانت تهمس في أذن لوسي كل ليلة: “انتظريني… لا تتركيني.”

لكن لوسي، التي كانت يومًا ما قطةً نشطة، صارت مجرد ظلٍّ يلهث على وسادةٍ مبللة بالدموع.

الغروب الأخير

في اليوم العاشر، حملت لوسي رأسها المثقل بين كفّي ليلى، وأطلقت نظرةً طويلةً كأنها تقول: “شكرًا… لقد حاولتِ.” ثم أغمضت عينيها إلى الأبد.

ليلى لم تبكِ… لأن دموعها جفّت منذ أيام.

رسالة من تحت التراب

اليوم، تزرع ليلى زهورًا صفراء في حديقة منزلها. كل زهرة تُذكّرها بأن اليرقان:

  • ليس مجرد اصفرار العينين… بل جرس إنذار لمرضٍ قاتل.
  • الكبد عضو صامت… يصرخ متأخرًا.
  • الوقاية بسيطة:
    • طعام نظيف بعيد عن السموم.
    • زيارة البيطري عند أول تغيير.
    • حبٌ أكثر… لأن القطط تُخفي آلامها حتى الرمق الأخير.

“الموت ليس أسوأ ما في الأمر…
الأسوأ هو أن تندم لأنك لم تُنصت إلى صمت آلامهم.”

✍️ كُتبت هذه القصة لتكون مرآةً لكل من يرغب في فهم لغة الصمت التي تتحدث بها الحيوانات.

اظهر المزيد

د.محمد سعيد الخالد

دكتور في الطب البيطري، للاستشارات المجانية التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي ادناه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى